المعمورة : مدينة لم تعمر طويلا

المعمورة : مدينة لم تعمر طويلا

حظيت المعمورة بمكانة، خلال العصر الموحدي، غير أن هذه المدينة لم تعد قادرة بعدهم على القيام بالأدوار التي كانت تضطلع بها.
أهم ما يطبع المعطيات المصدرية عن «مدينة» المعمورة خلال العصر الوسيط هو قلتها، وتكرراها نتيجة عملية النقل من مصدر لآخر خاصة الجغرافية منها. وهذا القليل بدوره، يكتنفه الغموض. كما أن الأبحاث الأركيولوجية عن الموقع لم تعرف تطورا ذا بال. وعليه، تبقى العديد من المعطيات عن المعمورة مضطربة.
إشكالية التأسيس والتسمية
انعكست قلة المادة التأريخية والأركيولوجية عن المعمورة على التحديد الدقيق لزمن التأسيس، فطرحت فرضيات عدة في هذا الإطار، جلها إن لم نقل كلها لا دليل يثبتها. ومن تلك الفرضيات، إرجاع تأسيسها إلى زمن الأدارسة خلال القرن 3هـ/ 9م، وإن كان هذا الأمر تعوزه أية إشارة إلى المعمورة في مصادر العصر الوسيط التي اهتمت بالأدارسة. وهناك من يفترض تأسيسها خلال عهد المهدي الفاطمي بواسطة أحد عماله في المنطقة خلال منتصف القرن 4هـ/ 10م، وهذه الفرضية بدورها لا دليل يدعمهما. وهناك رواية متأخرة، جدا، لأبي القاسم الزياني (ت. 1249هـ/ 1833م) في «الترجمانة الكبرى»، نص فيها على أن مشيدي المعمورة هم بنو يفرن، دون تحديد تاريخ لذلك، علما أنهم من أسسوا إمارة في شالة خلال القرن 4هـ/ 10م.
وإذا كان من الصعب التأكد من هذه الرواية، إلا أنه يمكن اعتبارها مؤشرا على وجود هؤلاء في موقع المعمورة، ومن ثمة وجود العنصر الزناتي بها. والمؤكد، أن المعمورة كانت قائمة الذات خلال العصر المرابطي (القرن 5هـ/ 11م)، لتعرف ظهورها البارز مع الموحدين انطلاقا من القرن 6هـ/ 12م، حيث أن أول ذكر لها بشكل صريح كان في «نزهة المشتاق» لصاحبه الشريف الإدريسي.
عمل الموحدون على إعادة تعمير المعمورة، واستوطنتها بعض العناصر المصمودية، حيث جددوا قصبتها «في إطار تجديد وتهيئة الطريق الساحلي المؤدي للأندلس (مراكش، رباط الفتح، قصر مصمودة، إشبيلية) ضمن سياستهم الجهادية، لأن هذه الطريق كانت تسمح باستقبال جيوشهم الضخمة التي كانت تتراوح أعدادها أحيانا بين 400 و600 ألف من الجنود، إذ لم يكن يسعها الطريق المرابطي القديم المار بالمدن الداخلية (مراكش، فاس، سبتة، قرطبة)، ولا يستطيع تزويدها بكل المرافق والحاجات الضرورية لها».

Comments

Popular posts from this blog

مدينة بناصا ذاكرة سهل الغرب

ريغـــــــة